يعرض الكاتب جاسم العزاوي في هذا المقال تحليلاً ناقدًا لموقف أوروبا تجاه انتهاكات إسرائيل، موضحًا كيف تتراكم الأدلة على خرق القانون الدولي بينما تكتفي العواصم الأوروبية بخطاب إنشائي لا يُفضي إلى أي فعل.
يشير العزاوي إلى أن تصريحات أوروبا المتكررة حول “مراجعة” العلاقات التجارية أو “دراسة” تعليق الاتفاقيات مع إسرائيل تتحوّل إلى طقس دبلوماسي أجوف، يخلو من العجلة والمسؤولية.
وتكشف هذه اللغة الاستعراضية، برأيه، عن فشل أخلاقي أعمق؛ إذ تتقدّم المصالح الاقتصادية والتحالفات الاستراتيجية وعبء التاريخ على المبادئ التي تدّعي أوروبا الدفاع عنها.
غضب بلا أثر.. وأفعال بلا نبرة
يشير المقال إلى أن المفوضية الأوروبية طرحت مؤخرًا فكرة فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين متطرفين وتعليق امتيازات تجارية، مستندة إلى خروقات إسرائيلية لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. لكنه يوضح أن هذا الطرح بقي جزئيًا وملتبسًا، ويضرب مثالاً بتصريح رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد، كاجا كالاس، التي وعدت بـ“التواصل مع إسرائيل لتحسين الوضع”.
يصف العزاوي هذا الخطاب بأنه لغة الالتفاف والمماطلة.
وتعزّز منظمة العفو الدولية هذا التوصيف حين وصفت مراجعة العلاقات بأنها خطوة “متأخّرة بصورة كارثية”، مؤكدة أن إسرائيل تواصل “فظائعها” في غزة بلا مساءلة.
ويعود الكاتب إلى عام 2014 حين قصف الجيش الإسرائيلي غزة، فاقتصرت أوروبا على بيانات “قلق شديد” بينما عمّقت التعاون التجاري. ويرى أن عبارات مثل “ندعو لضبط النفس”، “نحثّ على التهدئة”، “نراجع الاتفاقيات” غدت قاموسًا للهروب الدبلوماسي؛ كلمات تُستدعى لتبدو مبدئية لكنها تمنع أي تغيير فعلي.
وهم المحاسبة.. وتناقض المواقف
يعقد الكاتب مقارنة صارخة بين تعامل أوروبا مع روسيا وتعاملها مع إسرائيل.
فبعد غزو أوكرانيا، فرض الاتحاد الأوروبي 19 حزمة من العقوبات طالت الطاقة والبنوك والصناعات العسكرية. جرى عزل بنوك روسيا عن نظام سويفت، وتجميد أصول الأوليغارشية، وقطع واردات النفط خلال أسابيع فقط.
لكن في حالة إسرائيل، يستخدم الاتحاد كلمات مثل “نراجع” و“نقيم” و“نتدرّس”، ما يكشف ـ بحسب الكاتب ـ أن المحاسبة ليست مبدأً عامًا، بل أداة تنتقي أوروبا توقيتها بناء على مصالحها.
ويستدعي المقال سوابق تاريخية: فرض أوروبا عقوبات على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وعلى صربيا في التسعينات بسبب التطهير العرقي، وعلى العراق في التسعينات. هذه الأمثلة تظهر أن أوروبا تتحرك حين يتوافق موقفها الأخلاقي مع مصالحها. أما في إسرائيل، فيبدو أن التشابكات الاقتصادية والذنب التاريخي تجاه اليهود يعيدان تشكيل بوصلتها الأخلاقية على نحو مشوّه، فتُنتج دبلوماسية تصرخ احتجاجًا وتهمس أفعالًا.
اقتصاد يقيّد المبادئ.. وفشل أخلاقي يتكشف
يعرض الكاتب أرقامًا توضح حجم الارتباط الاقتصادي بين الجانبين: أوروبا هي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، تستورد نحو ثلث صادراتها من الزراعة والدواء والتكنولوجيا. تجاوز حجم التبادل التجاري 46 مليار يورو في 2024.
أي خطوة لتعليق اتفاقية الشراكة الأوروبية ـ الإسرائيلية ستضرب قطاعات تعتمد على الامتيازات الجمركية، ولهذا تتردّد أوروبا.
يقول العزاوي إن الخوف على المصالح التجارية وأصوات جماعات الضغط يتقدّم على الالتزام بالقانون الدولي وحقوق الإنسان. وهذا التردد ـ برأيه ـ يفضح هشاشة سردية أوروبا عن نفسها كـ“قوة معيارية” تُصدّر القيم.
ويشير المقال إلى أحكام محكمة العدل الدولية التي حمّلت إسرائيل مسؤولية ممارسات ترتقي إلى الفصل العنصري وانتهاكات جسيمة في الأراضي المحتلة. ويؤكد أن تجاهل أوروبا لهذه الأحكام يهدم صورتها كمدافع عن القانون الدولي.
وتنقل العزاوي رسالة منظمة العفو التي حذرت من أن “التاريخ سيحكم بقسوة على سياسة الاسترضاء غير المعلنة” التي تتبعها أوروبا.
في نهاية التحليل، يستعيد الكاتب مقولة الباحث إيان مانرز عن الاتحاد الأوروبي باعتباره “قوة معيارية” تعتمد التأثير الأخلاقي أكثر من النفوذ القسري. لكن حين تخون أوروبا هذه القيم بالعجز، تتحول من قوة معيارية إلى طرف متواطئ.
يؤكّد المقال أن دبلوماسية أوروبا ليست عاجزة فقط، بل متواطئة. الكلمات الكبيرة التي تُطلقها بروكسل تضيع أمام أفعال صغيرة لا تُحاسب أحدًا. ويبقى السؤال الجوهري: ماذا يعني أن تكون أشد الإدانات الأوروبية مصحوبة بأقل السياسات أثرًا؟
ويرى العزاوي أن أوروبا لن تستعيد صدقيتها إلا حين تربط خطابها بإجراءات حقيقية: عقوبات، تعليق اتفاقيات، وضغط فعلي. أما الآن، فكل ما تفعله هو الحفاظ على وهم المساءلة، بينما تُترك الانتهاكات بلا رادع.
https://www.middleeastmonitor.com/20251114-europes-hollow-diplomacy-the-illusion-of-accountability-in-its-dealings-with-israel/

